فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هودًا عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدليل القاطع، وذلك لأنه بين أن نعم الله عليهم كثيرة عظيمة، وصريح العقل يدل على أنه ليس للأصنام شيء من النعم على الخلق لأنها جمادات، والجماد لا قدرة له على شيء أصلًا، وظاهر أن العبادة نهاية التعظيم.
ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام وذلك يدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوا الله، وأن لا يعبدوا شيئًا من الأصنام، ومقصود الله تعالى من ذكر أقسام إنعامه على العبيد، هذه الحجة التي ذكرها ثم إن هودًا عليه السلام لما ذكر هذه الحجة اليقينية لم يكن من القوم جواب عن هذه الحجة التي ذكرها إلا التمسك بطريقة التقليد.
فقالوا: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا} ثم قالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} وذلك لأنه عليه السلام قال: {اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65] فقوله: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} مشعر بالتهديد والتخويف بالوعيد فلهذا المعنى قالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون كونه كاذبًا بدليل أنهم قالوا له: {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} [الأعراف: 66] فلما اعتقدوا كونه كاذبًا قالوا له: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} والغرض أنه إذا لم يأتهم بذلك العذاب ظهر للقوم كونه كاذبًا، وإنما قالوا ذلك لأنهم ظنوا أن الوعد لا يجوز أن يتأخر، فلا جرم استعجلوه على هذا الحد. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ}.
قالوا: يا هود أتأمرنا أن نعبد ربًا واحدًا {وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاونَا} أي نترك عبادة آلهتنا التي كان يعبدها آباؤنا.
قال لهم هود عليه السلام: إن لم تفعلوا ما آمركم يأتيكم العذاب.
قالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب أي: بما تخوفنا {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أنك لرسول الله. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قالوا أجئتنا} الآية، ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا العبادة لله مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع، ويحتمل أن يكونوا منكرين لله ويكون قولهم لنعبد الله وحده أي على قولك يا هود، والتأويل الأول أظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم، ولا يجحد ربوبية الله تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته كإربد بن ربيعة، وإلا من ادعاها لنفسه كفرعون ونمرود، وقوله: {فاتنا} تصميم على التكذيب واحتقار لأمر النبوءة واستعجال للعقوبة، وتمكن قولهم: {تعدنا} لما كان هذا الوعد مصرحًا به في الشر ولو كان ذكر الوعد مطلقًا لم يجىء إلا في خبر. اهـ.

.قال الخازن:

{قالوا} يعني قال قوم هود مجيبين له {أجئتنا} يا هود {لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا} يعني من الأصنام {فأتنا بما تعدنا} يعني من العذاب {إن كنت من الصادقين} يعني في قولك إنك رسول الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين}.
الظاهر أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا الله بالعبادة مع اعترافهم بالله حبًّا لما نشؤوا عليه وتآلفًا لما وجدوا آباءهم عليه ويحتمل أن يكونوا منكرين لله ويكون قولهم: {لنعبد الله وحده} أي على قولك يا هود ودعواك قاله ابن عطية، وقال التأويل الأوّل أظهر فيهم وفي عباد الأوثان ولا يجحد ربوبية الله من الكفرة إلا من ادّعاها لنفسه كفرعون ونمرود انتهى، وكان في قول هود لقومه {فاذكروا آلاء الله} دليل قاطع على أنه لا يعبد إلا المنعم وأصنامهم جمادات لا قدرة على شيء البتة والعبادة هي نهاية التعظيم فلا يليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام ولما نبّه على هذه الحجة ولم يكن لهم أن يجيبوا عنها عدلوا إلى التقليد البحت فقالوا: {أجئتنا لنعبد الله وحده} والمجيء هنا يحتمل أن يكون حقيقة بكونه متغيبًا عن قومه منفردًا بعبادة ربه ثم أرسله الله إليهم فجاءهم من مكان متغيبه ويحتمل أن يكون قولهم ذلك على سبيل الاستهزاء لأنهم كانوا يعتقدون أنّ الله لا يرسل إلا الملائكة فكأنهم قالوا: أجئتنا من السماء كما يجيء الملك ولا يريدون حقيقة المجيء ولكن التعرّض والقصد كما يقال ذهب يشتمني لا يريدون حقيقة الذهاب كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكاليف ذلك وفي قولهم: {فائتنا بما تعدنا} دليل على أنه كان يعدهم بعذاب الله إن داموا على الكفر وقولهم ذلك يدلّ على تصميمهم على تكذيبه واحتقارهم لأمر النبوّة واستعجال العقوبة إذ هي عندهم لا تقع أصلًا وقد تقدّم قوله: {إنا لنراك في سفاهة} و{إنا لنظنّك من الكاذبين} فلما كانوا يعتقدون كونه كاذبًا قالوا: {فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} أي في نبوّتك وإرسالك أو في العذاب نازل بنا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
{قَالُواْ} مجيبين عن تلك النصائحِ العظيمة {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ} أي لنخُصّه بالعبادة {وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} أنكروا عليه عليه السلام مجيئَه لتخصيصه تعالى بالعبادة والإعراضِ عن عبادة الأوثان انهماكًا في التقليد وحبًا لما ألِفوه وألِفوا أسلافَهم عليه. ومعنى المجيء إما مجيئُه عليه السلام مِنْ مُتَعَبَّده ومنزلِه وإما من السماء على التهكم وإما القصدُ والتصدّي مجازًا كما يقال في مقابلِه: ذهب يشتمني من غير إرادةِ معنى الذهاب {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب المدلولِ عليه بقوله تعالى: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أي في الإخبار بنزول العذابِ، وجوابُ إن محذوفٌ لدلالة المذكورِ عليه أي فائتِ به. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
{قَالُوا} مجيبين عن تلك النصائح العظيمة المتضمنة للإنذار على ما أشير إليه.
{أَجئْتَنَا لنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ} أي لنخصه بالعبادة {وَنَذَرَ} أي نترك {مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا} من الأوثان، وهذا إنكار واستبعاد لمجيئه عليه السلام بذلك ومنشؤه انهماكهم في التقليد والحب لما ألفوه وألفوا عليه أسلافهم، ومعنى المجيء إما مجيئه عليه السلام من مكان كان يتحنث فيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل بحراء قبل المبعث أو مجيئه من السماء أي أنزلت علينا من السماء ومرادهم التهكم والاستهزاء، وجاء ذلك من زعمهم أن المرسل من الله تعالى لا يكون إلا ملكًا من السماء أو هو مجاز عن القصد إلى الشيء والروع فيه فإن جاء وقام وقعد وذهب كما قال جماعة تستعملها العرب لذلك تصويرًا للحال فتقول قعد يفعل كذا وقام يشتمني وقعد يقرأ وذهب يسبني، ونصب {وحده} على الحالية، وهو عند جمهور النحويين ومنهم الخليل وسيبويه اسم موضوع موضع المصدر أعني إيجاد الموضوع موضع الحال أعني موحدًا.
واختلف هؤلاء فيما إذا قلت: رأيت زيدًا وحده مثلًا فالأكثرون يقدرون في حال إيجاد له بالرؤية فيجعلونه حالًا من الفاعل، والمبرد يقدره في حال أنه مفرد بالرؤية فيجعله حالًا من المفعول.
ومنع أبو بكر بن طلحة جعله حالًا من الفاعل وأوجب كونه حالًا من المفعول لا غير لأنهم إذا أرادوا الحال من الفاعل قالوا رأيته وحدي ومررت به وحدي كما قال الشاعر:
والذئب أخشاه أن مررت به ** وحدي وأخشى الرياح والمطرا

وهذا الذي قاله في البيت صحيح ولا يمتنع من أجله أن يأتي الوجهان المتقدمان في رأيت زيدًا وحده فإن المعنى يصح معهما، ومنهم من يقول: إنه مصدر موضوع موضع الحال ولم يوضع له فعل عند بعضهم.
وحكى الأصمعي وحديحد، وذهب يونس وهشام في أحد قوليه إلى أنه منتصب انتصاب الظروف فجاء زيد وحده في تقدير جاء على وحده ثم حذف الجار وانتصب على الظرف، وقد صرح بعلى في كلام بعض العرب، وإذا قيل زيد وحده فالتقدير زيد موضع التفرد، ولعل القائل بما ذكر يقول: إنه مصدر وضع موضع الظرف.
وعن البعض أنه في هذا منصوب بفعل مضمر كما يقال: زيد إقبالًا وإدبارًا هذا خلاصة كلامهم في هذا المقام، وإذا أحطت به خبرًا فاعلم أن نعبد الله وحده في تقدير موحدين إياه بالعبادة عند سيبويه على أنه حال من الفاعل، والحاء في موحدين مكسورة وعلى رأي ابن طلحة موحدًا هو والحاء مفتوحة وهو من أوحد الرباعي والتقدير على رأي هشام نعبد الله تعالى على انفراد وهو من وحد الثلاثي، والمعنى في التقادير الثلاثة لا يختلف إلا يسيرًا، والكلام الذي هو فيه متضمن للإيجاب والسلب وله احتمالات نفيًا وإثباتًا وتفصيل ذلك في رسالة في مولانا تقي الدين السبكي المسماة بالرفدة في معنى وحده وفيها يقول الصفدي:
خل عنك الرقدة

وانتبه للرفدة

تجن منها علما

فاق طعم الشهدة

وأراد بما في قوله تعالى: {فَأْتنَا بمَا تَعدُنَا} العذاب المدلول عليه بقوله تعالى: {أفلا تتقون} [الأعراف: 65] {إنْ كُنْتَ منَ الصادقين} بالإخبار بنزوله، وقيل: بالإخبار بأنك رسول الله تعالى إلينا، وجواب {إن} محذوف لدلالة المذكور عليه أي فأت به. اهـ.